الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***
(وكل) مبتدأ (ما) مضاف إليه (يرسله الزوج) صلة ما (إلى زوجته) يتعلق بيرسله (من الثياب) بيان لما يتعلق بيرسل أيضاً (والحلى) معطوف قال في الصحاح: الحلى حلي المرأة، وجمعه حلى مثل ثدي وثدى على وزن فعول، وقد تكسر الحاء وحلية السيف جمعها حلى مثل لحية ولحى وربما ضم اه نقله (ت) وقوله: فعول أي لأن فعل يجمع على فعول كفلس وفلوس اجتمعت الواو والياء، وسبق أحدهما بالسكون فقلبت الواو ياء وقلبت الضمة فتحة لتسلم الياء من القلب واواً ثانياً، ثم قلبت الياء المدغمة ألفاً واستثقلت الضمة على الياء الأخيرة فحذفت، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين فصار حلى، والخبر عن كل محذوف أي فيه تفصيل. (فإن يكن) شرط واسمه ضمير يعود على ما (هدية) خبر يكن أو مفعول ثان لقوله ( سماها) والجملة هي الخبر (فلا يسوغ) جواب الشرط (أخذه) فاعل يسوغ (إياها) مفعول يأخذ. (إلا) استثناء من مقدر يتعلق بأخذ (بفسخ) يتعلق بأخذ وهو في الحقيقة بدل من ذلك المقدر أي لا يسوغ أخذه إياها بوجه من الوجوه إلا بفسخ من (قبل) يتعلق بفسخ (أن يبتنيا) في تأويل مصدر مضاف إليه وألفه للإطلاق أو للتثنية (فإنه) أي الزوج (مستخلص) خبر إن (ما) مفعول بما قبله (بقيا) صلة ما والعائد محذوف أي منه ومعناه أنه إذا سمى ما أرسله هدية فلا يرتجعه مطلقاً طلق قبل البناء أو بعده ولو لعسره بالنفقة فيهما أو مات كذلك أو بقيت العصمة إلا أن يفسخ النكاح قبل البناء فإنه يرتجع ما بقي منها قائماً بعينه ولم يفت، ومفهوم هدية أنه إن سماها صداقاً فهو ما مرّ في قوله: وزائد في المهر بعد العقد الخ. كما مر التنبيه عليه، وهذا كله في الهدية بعد العقد وقبل البناء وهو أحد روايتين في قول (خ) وفي تشطر هدية بعد العقد وقبل البناء أو لا شيء له وإن لم يفت إلا أن يفسخ قبل البناء فيأخذ القائم منها لا أن فسخ بعده. روايتان فدرج الناظم على الرواية الثانية لأنها الرجح، بل حكى ابن رشد عليه الاتفاق فإن كانت الهدية بعد البناء وبعد طوله معها كسنتين فلا رجوع فيها أيضاً إن طلقها فإن لم يطلق فله أخذ هديته قاله في الشامل. وهذا كله في الهدية المتطوع بها ولم تشترط ولا جرى عرف بها، وأما إن اشترطت في العقد أو قبله أو جرى بها عرف فهي كالصداق كما مرّ لأن العرف كالشرط. (وإن يكن) شرط واسمه ضمير يعود على ما أيضاً (عارية) خبر يكن (وأشهدا) فاعله ضمير الزوج (من قبل) يتعلق به (سراً) منصوب على نزع الخافض أو حال، والجملة من أشهدا وما بعده حال من الزوج أيضاً (فله) خبر عن قوله (ما وجدا) والجملة جواب الشرط أي: وإن سمى ما أرسله عارية والحال أنه أشهد بها سراً من قبل إرساله وأحرى جهراً فله استرجاع ما وجد منها قائماً لم يفت طلق أو مات أو فسخ أو بقيت العصمة ولا شيء فيما فات منها إلا إن كانت مما يغاب عليه والزوجة رشيدة عالمة بها ولا بينة على الهلاك فتضمن حينئذ فيما يظهر وهو الموافق لما يأتي في الأب يشهد بالعارية لابنته وهي مرشدة عالمة تأمل. وفهم من قوله: وأشهد سراً أنه إذا سكت حين الإرسال وادعى العارية ولم تقم بينة له بها لا شيء له وهو كذلك كما في ابن سلمون. وفي آخر الكراس الرابع من أنكحة المعيار فيمن كسا زوجته ثياباً، ولما توفيت ادعى أن ذلك عارية أن القول له بيمينه إن ثبت بالعدول أو اعترافها في حياتها أنه هو الذي جاء بتلك الثياب بعينها فانظره مع قول الناظم في التداعي في الطلاق: فالقول قول زوجة في الأنفس. وانظر أيضاً آخر فصل الاختلاف في متاع البيت. (ومدع) مبتدأ (إرسالها) مفعول به وضميره للثياب والحلى (كي) جارة تعليلية ( تحتسب) منصوب بأن مقدرة بعد كي (من مهرها) يتعلق به (الحلف) مبتدأ ثان (عليه) يتعلق بالخبر الذي هو (قد وجب). والجملة من الثاني وخبره خبر الأول. (ثم) للترتيب الإخباري (لها) خبر عن قوله (الخيار في صرف) يتعلق به (وفي إمساكها) معطوف على ما قبله (من الصداق) يتعلق بما قبله (فاعرف) أمر من العرفان تتميم للبيت ومعنى ذلك أنه إن ادعى إرسال ذلك ليحسب من الصداق فإنه يحلف على ذلك، ثم تخير الزوجة في أن تصرف ذلك للزوج وترده له، وفي أن تمسك ذلك وتحسبه من الصداق، وهذا ظاهر إذا كان قائماً كانت رشيدة أو سفيهة ويأخذه من يدها على ما وجده إن لم يرسل ذلك عند حدوث سبب وإلاَّ جرى فيه ما يأتي عن أبي الحسن، وسواء ادعى أنه بين ذلك لها عند الإرسال فأنكرته أم لا. فإن هلك أو شيء منه فلا ضمان على الزوجة فيه كما يفهم من قوله الخيار لها الخ. لأنه لم يرسله لها إلا على أنها بالخيار فيه فهي قبل أن تختار أحد الأمرين أمينة فيه كما هي قاعدة البيع بالخيار والله أعلم. وسواء أيضاً كانت رشيدة أو سفيهة حيث لم تصن السفيهة به مالها ولم تصرفه الرشيدة في مصالحها وإلا لزمتها قيمة المقوم ومثل المثلى ويتقاصان فإن كان الإرسال عند حدوث سبب من وليمة لأقاربها أو عيد وموسم ونحو ذلك فقال أبو الحسن: جرت عادة الناس أن الرجل إذا صنع وليمة يشتري شيئاً لزوجته على وجه الهبة لها والاستئلاف لمودتها لا بأن يكون محسوباً لها من كالئها اه. فيفهم منه أنه قبل البناء كذلك مع العادة المذكورة، وفهم من النظم أيضاً أن من دفع لمدينه شيئاً وادعى دفعه ليحسب من الدين وقال الآخر: بل تبرع أن القول للدافع بل لو أتفقا على التبرع لم يصح لأنه هدية مديان، وكذا لو خدمه خدمة وادعى أنه لم يفعل ذلك إلا ليسقط بعض الدين فإن القول له. ولا يصح التبرع بها عليه، وإنما صح ذلك في النكاح حيث لم يحلف الزوج لما بين الزوجين من المكارمة والله أعلم. ومن ذلك أيضاً ما إذا شور الأب ابنته ولها دين عليه ومات فقالت البنت: شورني من ماله، وقال الورثة: بل بالدين الذي لك عليه. فالقول للورثة قالوا: ولو أخرج تلك الأسباب التي شورها بها من عنده ويحمل على أنه عوضها ذلك من الدين الذي عليه، ونظم ذلك في العمل المطلق فقال: وإن بدين بنته شورها *** فمات والشورة ما ذكرها فقالت البنت أبي تفضلا *** من ماله بها وقال الغير لا بل هي دينك الذي عليه لك *** فالقول قول وارث الذي هلك (ومدعي) مبتدأ (الإرسال) مضاف إليه (للثواب) يتعلق به (شاهده) مبتدأ ثان ( العرف) خبره ويجوز العكس وهو الأظهر (بلا ارتياب) يتعلق بشاهد على الاحتمالين أي فينظر لعرف البلد فإن كان عرفهم أن الزوج يهدي لزوجته لتكافئه على ذلك وعكسه مثل أن تعطي جاريتها الفارهة لزوجها الموسر وتدعي استغرار عطيته ونحو ذلك فالقول لمدعي الثواب منهما وإن لم يكن في البلد عرف بالمكافأة ولا وجد وقت العطية ما يدل على إرادتها فلا شيء لمدعي الثواب (خ) في باب الهبة: وصدق واهب فيه إن لم يشهد عرف لضده في غير المسكوك وفي غير هبة أحد الزوجين للآخر الخ. وظاهر المصنف أن مدعي الإرسال مصدق ولو طال، وفي الكراس الثامن من أنكحة المعيار أن من قصد بهديته الثواب له المثوبة ما لم يطل الخ. وهو ظاهر لأن الطول شاهد عرفاً لعدم قصده للثواب. وانظر ما يأتي عن المعيار في البيت بعده، ومن هذا المعنى ما في دعاوى المعيار أيضاً من أن أخوين لهما دار ورثاها فتزوج أحدهما وساق جميعها لزوجته وحضر أخوه المذكور فسلم الدار المذكورة المسوقة للزوجة، واعترف أنه لا حق له مع أخيه فيها، ثم قام الأخ المسلم يطلب أخاه الزوج المذكور بثمن حظه من الدار المذكورة قائلاً: إنما سلمت على أن يعطيني ثمن حظي أو عوضاً منه في أصل ملك أو غيره. وقال الزوج: إنما سلمت فيه لزوجتي من غير ثمن ولا عوض. فقال ابن لب: هذا من باب العطية المطلقة يدعي معطيها بعد خروجها من يده الثواب عليها والحكم أن يحلف الواهب على ما ادعى ويقضى له بالثواب. تنبيه: قال البرزلي: لو وهبته صداقها وادعت أن ذلك للثواب لم تصدق ولا يدخل الخلاف إلا في هبتها غير الصداق اه. (وشرط) مبتدأ (كسوة) مضاف إليه (من المحظور) بالظاء المشالة بمعنى الممنوع خبر المبتدأ (للزوج في العقد) يتعلقان بشرط (على المشهور) يتعلق بالاستقرار في الخبر، والمعنى أن شرط الزوج كسوة في نفس العقد ممنوع على مشهور المذهب لأنه جمع بين البيع والنكاح لأنه لا يدري ما ينوب الكسوة مما ينوب البضع كما مر التنبيه عليه عند قوله: ويفسد النكاح بالإمتاع في *** عقدته وهو على الطوع اقتفي وهو معنى قول (خ) وباجتماعه مع بيع الخ. وحينئذ فيفسخ قبل ولا شيء فيه ويثبت بعد بصداق المثل كما مرّ، وظاهر النظم كغيره أنه يكون فاسداً ولو عيناً ما ينوب المهر مما ينوب تلك الكسوة ونحوها أو لم يعينا، وكان في المهر فضل كثير على ما أعطته المرأة وهو ما يقتضيه كلام ابن رشد وغيره من تنافي أحكام البيع والنكاح. هذا وذكر ابن سلمون في فصل المتعة أوائل النكاح أنهما إذا عينا ذلك أو كان في المهر فضل جاز الشرط المذكور وبنى على ذلك وثيقة فقال: فإن شرط الزوج لنفسه كسوة تخرجها الزوجة أو وليها في الشوار للباسه على ما جرت به العادة. قلت: والتزم والد الزوجة أو وليها أن يخرج الزوج عند بنائه بها جبة كذا قيمتها كذا أو غفارة كذا قيمتها كذا التزاماً تاماً لما له وذمته قال: وحكمها حكم الصداق تثبت بثبوته وتسقط بسقوطه، وإذا وقع التزام ذلك من الزوجة في العقد كما ذكر فلا بدّ أن يكون في الصداق زيادة على قيمة ذلك مقدار أقل الصداق فأكثر وإلاَّ فسد النكاح لأنه قد يكون نكاحاً بلا صداق قال: فإن لم يقع التزام ذلك وأخرجت الزوجة في شوارها مثل الغفارة والقميص ولبس ذلك الزوج أو لم يلبسه وأرادت الزوجة أو وليها أخذ ذلك بعد زاعمين أنهما كانتا عارية على طريق التزين لا على سبيل العطية فقال ابن رشد: إن كان بتلك الثياب عرف في البلد جرى به العمل واستمر عليه الأمر حكم به وإلاَّ فالقول للمرأة أو وليها أنه عارية أو على وجه التزين اه. فأنت تراه اقتصر في جواز اشتراط ذلك على مقابل المشهور وهو معنى قول الشارح، وفي ابن سلمون تقرير العمل في هذه المسألة وكأنه ارتكب فيها غير المشهور، وربما يكتب بعض الناس بإزاء ذلك طرة بأنها من المسائل المختلة في ذلك الكتاب يعني بذلك والله أعلم على المشهور والأولى أن يقال: إنه اعتمد فيها غير المشهور اه. فمعنى كلام الشارح هذا والله أعلم أن ابن سلمون قرر جواز ما يعمله الناس من الاشتراط المذكور وأن الأولى أن يقال: إنه اعتمد في ذلك غير المشهور لا أن ذلك في المسائل المختلة لأن التعبير بالاختلال يوهم أنه لم يصادف في ذلك قولاً لقائل، وليس كذلك وبهذا تعلم بطلان ما نسبه الشيخ بناني في فصل التفويض لهذا الشارح من أن ما لابن سلمون خلاف المشهور، لكن جرى به العمل الخ. إذ الشارح لم يقل جرى به العمل كما ترى، فقد تقوَّل عليه ما لم يقله، وكذا ابن سلمون لم يقل إن العمل جرى بذلك كما ترى، ولا يلزم من اقتصاره واعتماده عليه جريان العمل به عند الحكام إذ العمل يقدم على المشهور، ولم يقل به أحد في هذه المسألة والله أعلم. وظاهر النظم أن شرط الكسوة ونحوها من العروض ممنوع، ولو كان ذلك من مال الولي وهو كذلك كما مرّ في قول (خ): كدار دفعتها هي أو أبوها، ومفهوم الكسوة أنه لو شرط دنانير أو دراهم كقوله أتزوجها بمائة على أن تعطيني عشرين درهماً منها جاز إن كان ذلك على معنى المقاصة فإن قال بمائة دينار على أن تعطيني عشرين درهماً امتنع لأنه نكاح وصرف، وكذا يمتنع النكاح مع القرض أو القراض أو الشركة أو الجعالة أو المساقاة في عقد واحد، وفي المعيار في المرأة تخرج أثواباً لزوجها عند البناء ثم تطلب ذلك عند مشاجرة زوجها أو طلاق أو لغير سبب ما نصه: ما أهداه أحدهما لصاحبه قبل العقد، ثم وقع النكاح لا رجوع فيه قبل الفراق ولا قبل البناء ولا بعده، فإن كان ذلك بعد العقد نظر فإن كان ذلك على وجه الاستعزاز وطلب الثواب فله الثواب، وإن لم يكن على ذلك فلا ثواب له لأنه استجلاب للمودة أو تأكيدها فإن طلقها بقرب العطية فترجع هي في عطيتها لا هو، وإن بعد ما بين العطية والطلاق لم ترجع اه. وتقدم في النظم ما إذا ادعى هو العارية. وفي كلام ابن سلمون: ما إذا ادعت هي ذلك وظاهرهما أنه لا يفرق في العارية بين طول وعدمه، وتقدم في البيت قبله أن من ادعى الثواب من الزوجين له المثوبة ما لم يطل. من أب أو غيره (بيت البناء) قال في القاموس: الشوار مثلثة متاع البيت. (والأب) مبتدأ (إن أورد) شرط (بيت) مفعول فيه (من) مضاف إليه (بنى) صلة من (ببنته) يتعلق به (البكر) صفة (شوار) مفعول بأورد (الابتنا) ء مضاف إليه. (وقام) معطوف على أورد (يدعي) حال من فاعل قام (إعارة) مفعول بيدعي (لما) يتعلق بإعارة واللام مقوية للعامل لضعفه (زاد) صلة ما (على نقد) يتعلق به ( إليه) يتعلق بقوله (سلما) بالبناء للمفعول، والجملة صفة لنقد. (فالقول) مبتدأ والفاء مع مدخولها جواب الشرط (قوله) خبر (بغير بينة) يتعلق به (ما) ظرفية مصدرية (لم يطل) صلتها وفاعل يطل ضمير يعود على الإيراد المفهوم من أورد (بعد البنا فوق السنة) يتعلقان بيطل، والمعنى أن الأب ومن تنزل منزلته من وصي ووكيل إن أورد أي أرسل أو أدخل الشوار الذي اشتراه بالنقد من ثياب وحلى وغير ذلك لبيت البناء ببنته البكر حتى كان تحت يدها، ثم قام يدعي العارية في بعض ما أورد مما زاد على نقدها المسلم إليه فإن القول له في ذلك الزائد بيمينه مدة عدم طول إيراده بعد البناء فوق السنة فإن طال فوق السنة لم تقبل دعواه العارية إلا أن يكون أشهد كما يأتي وظاهره قبول قوله في السنة كانت البنت حية أو ميتة وهو كذلك في شراح المتن قال في المتيطية: واختلف في ذلك إذا قام الأب يطلب ذلك بعد أربعة أعوام فقال ابن عتاب: لا يصدق. وقال ابن القطان: يصدق فيما زاد على قدر النقد من الشوار، وقال ابن سهل: وهذا خطأ لأن الرواية لمالك وابن القاسم وغيرهما أنه لا يصدق ولا خلاف أعلمه في ذلك اه باختصار. وفهم من قوله: البكر أن الثيب لا تقبل دعواه في إعارته لها وهو كذلك إن لم تكن محجورة له وإلاَّ فهي كالبكر كما في (ح) فلو قال الناظم: بذات حجره شوار الابتناء. لشملها. وفهم من قوله: لما زاد الخ. أن دعواه العارية في قدر نقدها أو أقل لا تقبل وهو كذلك إلا أن يعرف أن أصل المتاع له فيحلف ويأخذه ويطلب بالوفاء كما في العتبية، وظاهره أن كل ما زاد على النقد يقبل قوله فيه وليس كذلك بل لا يقبل أيضاً حتى في الزيادة التي عرف الناس زيادتها كما في المعيار، وشراح المتن. وفهم من قوله: بعد البناء أن السنة تعتبر من يوم البناء لا من يوم العقد وأفهم قوله فوق السنة أن السنة ليست بطول وهو كذلك على ما رواه ابن حبيب قاله البرزلي. فمفهومه أن أكثر منها طول وهي تجري على مسألة الشفعة فيكون الخلاف في مقدار زيادة الأشهر كالثلاثة ونحوها مما يعد بها طولاً اه. قال في الفائق: ما لابن حبيب قال به غير واحد من الموثقين والفقهاء المحققين. قلت: وهو خلاف ظاهر قول (خ) وقبل دعوى الأب فقط في إعارته لها في السنة بيمين وإن خالفته الابنة الخ. وفهم منه إنه يقبل قوله سواء ادعى أنه له وأعاره لها أو أعاره لها من غيره وهو كذلك، وأفهم قوله شوار الابتناء أنه أورد ذلك ليلة البناء، وأما إن كان ذلك بعد البناء بأيام فإن القول له ولو طال الزمان وهو كذلك فيما يظهر لأن الأصل عدم خروج ملكه إلا على الوجه الذي يقصده هو، وإنما لم يصدق بعد السنة فيما أورده ليلة البناء لأن العرف فيما يخرج ليلة البناء أن يكون من شوارها، وقد عضده عدم طلبه لذلك في السنة فتأمله. وأفهم قوله إن أورد الخ أن الإيراد ثابت بالبينة أو الاعتراف وإلاَّ بأن أنكرت أنه لم يوردها ما يدعيه ولا شيء بيدها منه. ففي البرزلي عن الشعبي فيمن أشهد عند خروج ابنته لزوجها أنه أمتعها بحلى وثياب فبعد مدة قام الأب أو ورثته طالبين الابنة بما أشهد أنه أخرجه معها فأنكرت ذلك، ولا دليل إلا الإشهاد من الأب خاصة ما نصه: ولا يقبل قول الأب حتى يعلم قوله بإقرار أو بينة وهو معنى قول ابن القاسم اه. وإذا كان هذا مع الإشهاد المجرد فأحرى مع عدمه الذي نحن فيه، ومفهوم الأب ومن تنزل منزلته أن غيرهما من الأولياء لا يقبل قولهم كما لا يقبل قول الأب في الثيب التي لا ولاية له عليها وهو كذلك كما يأتي في قوله: وفي سوى البكر ومن غير أب الخ. وكذا لا يقبل قول الأجنبي في الأجنبية رواه كله ابن حبيب كما في البرزلي قال: وأفتى شيخنا الإمام يعني ابن عرفة بأن الأم تنزل منزلة الأب فيقبل قولها أو ورثتها في السنة، فلما أوقفته على كلام ابن حبيب هذا وقف وأرشد إلى الصلح قال: والصواب أن لا مقال لها إلا أن تكون وصياً أو على ما قال في المدونة أنه استحسن أن توصي بولدها في المال اليسير كالستين ديناراً فيكون القول قولها في هذا القدر إذا لم يكن لها أب ولا وصي أو يرى أن الأم بخلاف غيرها بدليل جواز اعتصارها ما وهبتها في حياة الأب وشرطه اه. قلت: وما ذكره ظاهر إذا لم يجر عرف بذلك وإلاَّ بأن جرى العرف بإعارتها فحكمها كالأب في حياته وبعد مماته، وإن لم تكن وصياً وهو المعروف في نساء أهل فاس كما في ابن رحال، ويؤيده أن الحكم في هذه المسألة من أصلها مبني على العرف والأحكام المبنية عليه تدور معه حيث دار كما للقرافي وغيره. ولعل ابن عرفة إنما وقف وأمر بالصلح لعدم ثبوت العرف في بلدهم بإعارة الأم وهذا يقتضي أن العرف إذا جرى بإعارة الأخ ونحوه كذلك والله أعلم. ومفهوم قوله: لابنته أن الأب إذا فعل ذلك لابنه الذكر فإن القول له في العارية ولو طال الزمان، وكذا لو فعله لزوجة ابنه بدليل ما في المعيار فيمن اشترت أشياء ثياباً وأسباباً لزوجة ابنها فبقيت زوجة الابن المذكورة تلبس تلك الثياب مع الأم مدة من اثني عشر شهراً، وبعد وفاة الابن قامت الأم تدعي أنها أعارت لها ذلك فقط فإن القول لها بيمينها إذا ثبت شراؤها إياها أو أنها تعرف لها بإقرار أو بينة فتأخذ حينئذ ما وجد منها وليس لها فيما لبست كراء، ولا فيما استهلكت قيمة اه. إذ لا فرق بين الأب والأم في هذا فيما يظهر فتأمله. وكذا يقال في غيرها من الأولياء والأجانب حيث ثبت ببينة أو إقرار أن أصل تلك الأسباب لمدعي العارية إذ الأصل أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا على الوجه الذي يقصده، وما مرّ عن ابن حبيب أن غير الأب من الأولياء والأجانب لا يقبل قولهم إنما ذلك إذا لم يعرف أصل ذلك الشيء لهم والله أعلم. تنبيهان: الأول: قال في نوازل البرزلي: وإذا ابتاع القابض للنقد أياً كان أو غيره جهازاً وأحب البراءة منه فيمكنه ذلك بأحد ثلاثة أوجه: إما أن يدفعه إلى الزوجة ويعاين الشهود قبضها لذلك في بيت البناء، أو يوقف الشهود عليه وإن لم يدفع ذلك إليها، وإما أن يوجه ذلك إلى بيت البناء بحضرة الشهود بعد أن يقوموه ويعاينوه ولا يفارقوه حتى يتوجه به إلى بيت البنت بحضرة الزوج وإن لم يصحبه الشهود إلى البيت ذكر ذلك ابن حبيب. وليس للزوج أن يدعي أن ذلك لم يصل إلى بيته فإن فعل فهو كدعواه أنه اغتاله من بيته أو أرسل من أخذه منه. انظر في وثائق ابن فتحون اه. وهو معنى قول (خ): وإنما يبرئه شراء جهاز تشهد بينة بدفعه لها أو إحضاره بيت البناء أو توجيهه إليه الخ. وذكر بعض الموثقين أن أحسن الوجوه الوجه الثاني. ابن عرفة: وبه استقر العمل فانظره فقد بين الأوجه الثلاثة غاية البيان، ثم قال البرزلي: القول قول الأب أنه جهز ابنته. ابن رشد: إنما وجب أن يكون القول قول الأب لأنه على ذلك قبضه من الزوج والعرف يشهد له به، وإنما وجب عليه اليمين لما تعلق في ذلك من حق الزوج، والذي يسقط اليمين عنه إحضار البينة وإبراز الجهاز وإقامته وإرساله بمحضر البينة قاله ابن حبيب اه. ومثله في ابن عرفة عن ابن القاسم قال: إن قال أبو البكر دفعت مهرها العين ضمنه إذ ليس له دفعه لها إنما يجهزها به فإن قال بعد بنائها جهزتها به ودفعته لها وأنكرت حلف وبرىء اه. فتأمله مع ما مر عن (خ) من الإطلاق إذ ظاهره أنه لا يكون له القول في ذلك. الثاني: قال البرزلي أيضاً إثر ما مر ما نصه، ابن رشد: ولو ادعى الأب أنه جهز ابنته بما لها قبله من ميراث أمها أو غير ذلك وأنكرت لما كان القول قوله في ذلك ويكلف إقامة البينة على ذلك لقوله تعالى: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} (النساء: 6) اه. ولما نقله ابن عرفة عن ابن رشد قال عن المتيطي: وينبغي لو كان لها على أبيها دين من مهر أمها أو غيره أن لا يقبل قوله بتجهيزها به، ولو كان لها بيده عرض أو عين على وجه الأمانة بسبب كونها في ولايته لكان ينبغي على وجه النظر قبول قوله إنه جهزها به عند بنائها لأن العرف جار عندنا بتجهيز الآباء بناتهم بأموالهم فكيف بأموالهن اه. ابن عرفة: وهو خلاف ظاهر ما تقدم لابن رشد في ميراثها من أمها من عدم قبول قوله في تجهيزها به للآية المذكورة. قلت: فظاهره أن ما لابن رشد هو الراجح لأن المتيطي إنما قال ذلك بلفظ: ينبغي فلم يجزم به وقد تقدم كلام المتيطي عند قوله: وللوصي ينبغي وللأب. تشويرها الخ. ثم أشار إلى أن عدم قبول قوله مع الطول بما فوق السنة مقيد بما إذا لم يشهد فقال: (وإن يكن) شرط واسمه ضمير الأب ومن تنزل منزلته (بما) يتعلق بأشهد (أعار) صلة ما (أشهدا) خبر يكن (قبل الدخول) يتعلق بأشهد (فله) خبر مقدم (ما وجدا) مبتدأ مؤخر، والجملة جواب الشرط ودخلت عليه الفاء لكونه لا يصح أن يكون شرطاً، والمعنى أن الأب أو غيره من الأولياء إذا أشهد قبل الدخول بالعارية فللأب ما وجد من تلك العارية دون ما تلف منها فلا تضمنه البنت إن لم تعلم بالعارية كما يأتي، وظاهره سواء أشهد في حضورها أو غيبتها وهو كذلك حيث وجد ما أشهد به فإن لم يوجد فيأتي تفصيله، ولا فرق بين طول الزمان وعدمه، ولا بين رشيدة وغيرها، ولا بين مقرة ومنكرة، ولا بين أب وغيره من الأولياء إذ العبرة بوجود الإشهاد. وهذا إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر وإلاَّ فلا يأخذ إلا ما زاد على قدر الوفاء به كما في الحطاب، وبالجملة فأما أن يشهد بالعارية أو بالهبة أو لا يصرح بشيء بل يسكت فإن سكت فهو ما مرّ في الأبيات قبله، وإن أشهد بالهبة أو بالعارية فكل يجري على حكمه فلا يرده في الهبة ويرده في العارية. تنبيهان: الأول: قال البرزلي: إذا استظهر الورثة برسم يتضمن أن العادة الجارية ببلدهم الآن أن الرجل إذا جهز ابنته بحلى أو غيره إنما هو على معنى العارية والتجمل، وإن طالت السنون فقال ابن عبد السلام: إذا ثبت الرسم المتضمن للعادة الجارية وجب الإعذار في شهوده إلى الابنة فإن عجزت أو سلمت عمل بمقتضاه اه باختصار. الثاني: ظاهر النظم أن الإشهاد بعد الدخول لا يفيد وليس كذلك بل ذكر البرزلي أيضاً: أن الإشهاد بعد الدخول في المدة التي يقبل فيها دعوى الأب العارية حكم الإشهاد قبل الدخول قال: وبه كان أشياخنا يفتون قال (ح): فيفهم منه اختصاص الانتفاع بالإشهاد بعد الدخول بالأب والوصي في البكر والثيب المولى عليها والأم على فتوى ابن عرفة وهو ظاهر والله أعلم. ثم أشار الناظم إلى مفهوم الأب ومن تنزل منزلته ومفهوم البكر فقال: (وفي سوى البكر) يتعلق بأبي آخر البيت (ومن غير أب) معطوف على ما قبله (قبول قول) مبتدأ (دون إشهاد) في محل نصب على الحال من المبتدأ المذكور على القول بمجيء الحال منه وهو ضعيف (أُبي) بالبناء للمفعول بمعنى منع، والجملة خبر، والمعنى أن الأب ومن بمنزلته لا تقبل دعواه العارية لغير البكر وهي الثيب إلا أن تكون في ولايته كما مرّ كما لا تقبل دعوى غيره من سائر الأولياء العارية لوليتهم مطلقاً بكراً أو ثيباً دون إشهاد فإن أشهد الأب ومن في معناه بها في الثيب الرشيدة أو أشهد غيره من الأولياء بها مطلقاً قبل قولهم ولو بعد طول كما مرّ ويأخذون ما وجدوا من تلك العارية دون ما ضاع منها فلا ضمان عليها فيه حيث كانت سفيهة مطلقاً أو رشيدة ولم تعلم كما أفاده بقوله: (فلا) نافية للجنس والفاء جواب سؤال مقدر فكأن قائلاً له: هل عليها ضمان فيما ضاع أو لا، (ضمان) اسمها (في سوى) خبرها (ما) موصول مضاف إليه (أتلفت) صلة ما والرابط محذوف أي أتلفته (مالكة) فاعل (لأمرها) يتعلق به (العلم) مفعول مقدم بقوله (اقتفت) والجملة صفة لمالكة، والمعنى أن العارية التي يقبل فيها دعوى الأب ومن في معناه أو العارية الثابتة بإشهاد إذا تلفت فإنه لا ضمان على البنت فيما تلف منها بوجه إلا في وجه واحد وهو إذا أتلفته هي بنفسها وكانت مالكة أمرها عالمة بالعارية فإن تلفت بغير سببها وقامت لها بينة بذلك أو كانت غير مالكة أمرها أو غير عالمة بالعارية فلا ضمان فقوله أتلفت الخ. ظاهر في أنها إذا لم تتلفه بل تلف بغير سببها لا ضمان عليها ولا يعلم كونه بغير سبيها إلا ببينة على ذلك كما قررنا وإلاَّ فهي محمولة على أنها هي التي أتلفته فلم يبق على الناظم رحمه الله شيء من تفاصيل المسألة خلافاً للشارح ومن تبعه. فروع. الأول: تقدم عن المتيطي عند قول الناظم: وأشهر القولين أن تجهزا الخ. للزوج أن يسأل الولي فيما صرف النقد فيه وعلى الولي بيان ذلك ونقله ابن عرفة أيضاً. الثاني: قال البرزلي: سئل ابن رشد عن الولي تقع بينه وبين الزوج منازعة فيريد الولي كالأب والوصي والكافل تثقيف الشورة وإخراجها عن بيت بنائها إلا مقدار نقدها ولم يظهر من الزوج تغير حال ولا أنه ممن يتهم على ذلك، وكيف إن كان مما يخاف من قبله أو ظهر عليه ما يوجب الاسترابة؟ فأجاب: للأب أن ينفق من شورة ابنته التي إلى نظره ما تستغني عنه منها إذا خاف عليه عندها، وكذلك الوصي وليس للولي غير الوصي ولا للحاضن المربي ذلك فإن دعا إلى ذلك على وجه الحسبة نظر القاضي فيما يدعو إليه من ذلك بالاجتهاد، وقد رأيت للشيخ أبي عبد الله بن عتاب في هذا جواباً قال فيه: إن كان الأب مأموناً على الثياب له ذمة فهو أحق بضبطها بعد أن يسلم لابنته منها بقدر نقد صداقها وزائد عليه ما تتجمل به مع زوجها على قدر التوسط في ذلك، ويشهد الأب بما يوقف لابنته عنده وإن كانت أحواله غير مرضية وضعها الحاكم على يد من يراه ممن يرتضيه بإشهاد، ورأيت نحو هذا الجواب لأبي بكر بن جماهير الطيطلي وهو حسن جيد في النظر، وقد شاهدت أقواماً وضعت عندهم ثياب بناتهم خيف عليها بزعمهم فباعوها وأكلوا أثمانها وتعذر الإنصاف منهم اه. قلت: ولا مفهوم للشوار بل مال الولد المحجور من حيث هو كذلك كما في ابن عرفة وقال في اللامية: وللبعض نزع الشيء من يد حائز *** إذا خيف أمر بالبقاء ويجعلا بحفظ أمين هكذا منع والد *** فقير من أخذ المال للوالد أعملا الثالث: إذا ضمن الزوج جهاز زوجته وضاع هل يلزمه ما ألزم نفسه أم لا؟ ويكون من باب ضمان ما لا يغاب عليه من العارية أو إسقاط الشفعة قبل وجوبها أو قال: أنا ضامن لرهنك ففي البرزلي أيضاً أنه ينظر للوجه الذي خرج بسببه الضمان فإن كان بسبب ما يخشى من الزوجة فلا يلزمه الضمان إن قامت بينة بتلفه بغير سببه، وإن كان خشي هو عليها فلا شيء عليه إن قامت بينة بتلفها بغير فعله ويلزمه ضمانها بكل حال إن لم توجد وادعى تلفها قال: وهناك جواب آخر وهو أنه إن ضمنها مخافة التلف عليها حيث تلفت ضمنها، وإن قامت بينة بتلفها وإن ضمنها بسبب أنه يتهم على الغيبة عليها ولم يؤتمن عليها فلا ضمان إن قامت بينة بهلاكها. وفي الطرر: إن شهد عليه بالضمان فهلكت من غير بينة ضمنها إلا أن يأتي عليها من الزمان ما تخلف في مثله فيحلف ويبرأ اه. وقال المتيطي: فإن التزم الزوج حين الإيراد أن يكون الجهاز في ضمانه جاز وكان في ضمانه وتقول في ذلك والتزم الزوج ضمانه في ماله وذمته بعد أن عرف أن ذلك لا يلزمه فطاع بالتزامه عارفاً قدر ذلك الخ. وقال في الطرر إثر ما مر: والطوع وغيره سواء في اللزوم لأنه كان له أن ينتفع به بغير ضمان ولا شرط فصار ضمانه تطوعاً على كل حال، وقيل: إذا ضمنه بشرط الانتفاع به سقط عنه الضمان لأنه ضمان بجعل وإن كان بغير شرط الانتفاع به ضمنه اه. ولما ذكر ابن عرفة كلام المتيطي قال: ولم يذكر المتيطي حكم ضمانه هل هو ولو قامت البينة بتلفه من غير سببه أو ما لم تقم بذلك بينة. وفي أجوبة ابن رشد: إن ضمنها خوف تلفها حيث تلفت ضمنها ولو قامت البينة بتلفها، وإن كان سبب ضمانه تهمته على الغيبة عليها ولم يؤتمن في ذلك فلا ضمان عليه فيما قامت بينة بتلفه اه. قلت: وانظر لو لم يعلم سبب الضمان هل يحمل على تهمته على الغيبة عليها أو على خوف تلفها؟ وفي البرزلي أيضاً بعد ما مر ما نصه: إذا منعت المرأة جهازها عند البناء حتى يضمنه فاعرف في الطراز أنه إذا امتنع من الضمان فله ذلك ويقضي عليها من الجهاز ما لا يزري به عند أنظارها اه باختصار. ثم نقل بعد ذلك بأوراق عن الإمام الزواوي وأنه ليس للأب أخذ الجهاز بعد الإشهاد بدفعه وتسليمه وإشهاد الزوج بأنه تحت يده خشية تصرف الزوج في ذلك حيث لم ترض البنت ولا الزوج بذلك. (وإن) شرط (متاع البيت) مبتدأ على مذهب الكوفيين القائلين بجواز دخول أدوات الشرط على الأسماء (فيه) يتعلق بقوله: (اختلفا) خبر المبتدأ وألفه للتثنية يعود على الزوجين، ولا يجوز أن يكون متاع البيت فاعلاً بفعل مقدر يفسره ما بعده لأن المعنى يأبى ذلك (ولم تقم بينة) فعل وفاعل والجملة حال (فتقتفى) الظاهر أن الفاء تعليلية كما تقدم نظيره في قوله: فإنه كهبة لم تقبض. ومعنى تقتفى تتبع. (فالقول) مبتدأ (قول الزوج) خبره والجملة جواب الشرط (مع يمين) حال من الخبر المذكور (فيما) يتعلق بالخبر أيضاً (به) يتعلق بقوله (يليق) صلة ما والرابط ضمير مستتر هو الفاعل عائد على ما (كالسكين) حال من ما أو خبر مبتدأ مضمر. (وما) مبتدأ (يليق بالنساء) صلة ما (كالحلي) بضم الحاء جمع حلي وقد تكسر الحاء كما مرّ وهو على وزن فعول اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت اللام لتسلم الياء، ولما وقف الناظم على الياء المدغم فيها سكنت فالتقى ساكنان فحذف أحدهما وعلم منه أن حلى له جمعان حلي كثدي وثدى كما مر، ويجمع على حُلِي بضم الحاء وكسر اللام كما هنا وهو حال أو خبر لمبتدأ محذوف كما في الذي قبله (فهو) مبتدأ (لزوجة) خبره والجملة خبر الأول ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط في العموم والإبهام (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (ما) زائدة (تأتلي) بمعنى تحلف في محل جر بإضافة إذا وجوابها محذوف للدلالة عليه. (وإن يكن) شرط واسمها ضمير متاع البيت (لاق) خبر يكن (بكل) يتعلق به (منهما) يتعلق بمحذوف صفة أي بكل واحد كائن منهما (مثل الرقيق) حال من ضمير لاق أو خبر لمبتدأ محذوف (حلفا) جواب الشرط وألفه للتثنية (واقتسما) معطوف عليه. (ومالك) مبتدأ (بذاك للزوج) يتعلقان بقوله (قضى) والجملة خبر (مع اليمين) حال (وبقوله) خبر عن قوله (القضا) ء ومعنى الأبيات: أن الزوجين ولو رقيقين أو كافرين أو أحدهما إذا اختلفا في شيء من متاع البيت فادعاه كل منهما ولا بينة لأحدهما فما كان منه معروفاً للرجال كالسلاح وثياب الرجال والمصحف والخاتم والمنطقة والحيوان وذكور الرقيق وأصناف الأطعمة والدور والأملاك والكتاب والدواة قضى به للزوج بيمينه، وما كان من ذلك معروفاً للنساء كالحلى وثياب النساء التي تصلح للباسهن والفراش والقباب والحجال وهي الستور والبسط والوسائد والملاحف والقطائف وأواني النحاس والقصاع والموائد قضى به للزوجة بيمينها قال ذلك كله في المتيطية قال اللخمي: ويختلف في إناث الرقيق لأنهن مما يشبه أن يكون لهما معاً فقال مالك وابن القاسم: يكون للرجل. وقال ابن وهب والمغيرة: يكون بينهما يريد بعد أيمانهما، وبالجملة فإن التحاكم في ذلك بعرف أهل البلد فمن شهد له العرف بشيء حلف وأخذه اه. فقول الناظم مثل الرقيق أي ذكوره وإناثه كما هو ظاهر وتخصيص اللخمي ذلك بالإناث خلاف مذهب المدونة كما في ابن عرفة، والمراد بالخاتم خاتم الفضة إلا أن يعلم الرجل بمخالفة السنة وتختمه بالذهب كما في ابن عرفة، فانظر تمامه. ومفهوم قوله: ولم تقم بينة الخ أنه إذا قامت بينة عمل بمقتضاها قال في المتيطية: ما ولي الرجل شراءه من متاع النساء وأقام بينة بذلك أخذه بعد يمينه أنه ما اشتراه إلا لنفسه إلا أن تقيم المرأة بينة أنه اشتراه لها. وكذلك ما وليت المرأة شراءه من متاع الرجال فهو لها بعد يمينها إلا أن يقيم الرجل بينة أنها اشترته له وورثة كل منهما منزل منزلته إلا أنهم يحلفون على علمهم ويحلف الموروث على البت اه. وأشار (خ) للمسألة بقوله في متاع البيت فللمرأة المعتاد للنساء فقط بيمين وإلاَّ فله بيمين الخ. فقوله: وإلا أي بأن كان للرجال فقط أو لهما معاً. وانظر تبصرة ابن فرحون ولا مفهوم للزوجين في هذا الأصل بل كل امرأة ورجل اختلفا ولو أجنبيين يجري حكمهما على ما مر كما تقدم في تعريف المدعي والمدعى عليه، بل قال ابن سلمون في فصل التوارث ما نصه: والحكم في الاختلاف في متاع البيت في الموت والطلاق والبقاء في العصمة واحد والأجنبيات وذوات المحارم والزوجات في ذلك سواء اه. ثم محل كون الحيوان للرجل ما لم يكن الرجل معروفاً معها بالفقر قال ابن عرفة: والإبل والبقر والغنم إلا أن تقوم بينة للمرأة أو كان الرجل معروفاً معها بالفقر وهي معروفة بالغنى ينسب ما كان كذلك إليها، ولو بالسماع، ويقول عدول الجيران فهو للمرأة وإن لم تكن شهادة قاطعة اه. ومحل كون القول للمرأة فيما شأنه للنساء ما لم يكن ذلك في حوز الرجل الأخص وما لم تكن معروفة بالفقر وإلاَّ فلا يقبل قولها في أزيد من قدر صداقها قاله ابن فرحون. وانظر أواخر الكراس الثالث من أنكحة المعيار في المرأة لا يعرف لها جهاز لا قليل ولا كثير وتدخل على جهاز امرأة كانت للناكح قبل هذه ويشتري الزوج بعد ذلك ما يعرف للنساء من حلى وثياب ثم ينزل موت أو فراق وتدعي ذلك قال: ليس لها شيء من ذلك إلا أن يعرف أنها خرجت به من بيتها أو تصدق به عليها أو أفادت مالاً وعرف ذلك واتضح وإلاَّ فلا شيء لها لأن الزوج يقول: أردت جمال بيتي وجمال امرأتي فإن قالت اكتسبته وجمعته فلا تصدق لأن النساء لا يعرفن بالتكسب اه. وانظر نوازل الدعاوى منه فيمن أشهدت أنها لم تترك إلا أشياء في بيتها فوجد فيه مال مدفون فإنه للزوج أو ورثته لأنها اعترفت أنها لم تترك إلا ما ذكرت. وانظر أنكحة البرزلي في المرأة تدعي ناضاً في التركة فإن قام دليل صدقها مثل بيعها أصلاً أو عرضاً يكون ثمنه مثل ذلك قبل قولها وحلفت، ابن مزين: لا بد من حلفها وإن لم يكن الورثة إلا أولادها لأنها في معنى المنقلبة وإن لم يقم دليل كان القول قول الورثة لأنه يشبه كسبهما معاً. ومن الشيوخ من يراعي كون الناض في حكمها الخاص ككونه في صندوقها أم لا. (وهو) مبتدأ عائد على القول (لمن يحلف) خبره (مع نكول صاحبه من غير ما تفصيل) الظرف والمجرور يتعلقان بالاستقرار أو حالان من ضميره وما زائدة، وإنما كان القول للحالف مع نكول صاحبه لأن النكول كالشاهد فيحلف معه ويستحق. تنبيهان: الأول: قال في طرر ابن عات سئل أبو عبد الله بن الفخار عن زوجة طلبت من زوجها نفقتها فقال لها الزوج في داره مائة ربع من دقيق، وقالت المرأة ليس الدقيق لك إنما هو لي. فقال: القول قول الزوج، وكذلك لو قامت المرأة تطلبه بكسوتها فقال الزوج: ما على ظهرك هو لي أن القول قول الزوج في ذلك. وقال ابن دحون: إن القول قول الزوجة في الكسوة لأنها ماسكتها وليس هي شيئاً موضوعاً في البيت كالدقيق اه. قلت: والجاري على ما يرجح أن يكون القول للزوج إذ الكسوة مما يشبه أن تكون له إذ الشرع قاض بها عليه بل لو فرضنا أنها مما يشبه أن تكون لهما لكان القول له، ولهذا لم يعرج صاحب المختصر ولا ابن عرفة على هذه المسألة إذ لا أقل أن تكون من أفراد ما يشبه أن يكون لهما والله أعلم، وإنما أشار ابن عرفة إلى هذا الخلاف في باب الشهادات عند الكلام على ترجيح البينات فقال ما نصه: وإن طلبته امرأته بكسوتها فقال لها: الثوب الذي عليك هو لي، وقالت: بل هو لي. ففي كون القول قولها أو قوله نقل الطرر عن الاستغناء فتوى ابن دحون وابن الفخار حكاهما أبو القاسم البونياني، واختار الأول وهما مبنيان على اعتبار كونها في حوز الزوج أو حوزها في نفسها اه بلفظه، ولم يعرج على هذا النقل في الاختلاف في متاع البيت ولا في النفقات كما مرّ. الثاني: إذا علم أصل ملك الكسوة للزوج كما لو ابتاع الرجل كسوة لزوجته أو اشترتها لنفسها من ماله وهو لا ينكر ذلك، فأما أن يتفقا على أنها من الكسوة الواجبة عليه لها أو يدعي هو أنها الواجبة وتدعي هي أنها هدية فالأول هو قول (خ) في النفقات وردت النفقة لا الكسوة بعد أشهر الخ. والثاني فيه خلاف فقيل ينظر للزوج إن كان مثله يهدي لزوجته فالقول لها وإلاَّ فقوله. وقيل القول قولها مطلقاً، وقيل قوله مطلقاً لأنه يقول: أردت أن أجمل زوجتي وأحليها قال في الاستغناء: وهو أحسن. وقيل: إن ابتذلته المرأة باللباس وامتهنته فقوله: وإلاَّ فقولها قال في الطرر، وبه العمل وعليه عول الناظم في التداعي في الطلاق حيث قال: فالقول قول زوجة في الأنفس الخ. لكن سيأتي عن الشاطبي هناك أن الصحيح في المذهب أن القول للزوج في الأنفس والقول لها في الممتهن كالوجه الأول الذي في (خ). قلت: وهذا هو الذي يجب اعتماده لأن الثوب حيث علم أن أصله للزوج فلا يخرج من يده إلا على الوجه الذي يقصده والزوجة في ذلك مدعية، ولذا قال في الاستغناء إنه الأحسن كما مرّ، وعول عليه في المعيار كما رأيته قبل هذا البيت ويؤيده ما تقدم في قوله: ومدع إرسالها كي تحتسب *** من مهرها الحلف عليه قد وجب كما لا يخفى وأما إن ادعى هو العارية وادعت هي الهدية فكذلك أيضاً لأن الأصل عدم خروج ملكه من يده إلا على الوجه الذي يقصده، وبالجملة فلا فرق بين أن يدعي هو الكسوة الواجبة أو العارية، فالراجح في ذلك كله قول الزوج وإن كان في الشامل صدر بمقابله فلا ينبغي التعويل عليه والله أعلم. قال ابن سلمون: وإذا ترددت المرأة بشكوى ضرر زوجها بها أمر جيرانها بتفقد أحوالها فإن لم يكن في الجيران من تجوز شهادته أمره بالسكنى بين قوم صالحين ولا يلزمه أن ينقلها من سكنى البادية إلى الحاضرة، ولكن يأمره بإسكانها حيث يجاورها من يشهد لها، وكذلك إن كان في طرف الحاضرة أمره بالسكنى بها في موضع يتبين فيه حالها، وكذلك إن اشتكت الوحشة ولم تشتك الضرر فعليه أن يضمها إلى موضع مأنوس إلا أن تكون عرفت ذلك ودخلت عليه فلا يلزمه نقلها فقوله: حيث يجاورها من يشهد لها الخ. يريد تنقل للمحل الذي يوجد فيه من يصلح للشهادة، ففي ابن عرفة عن ابن فتحون إن كانت بطرف الحاضرة وليس حولها من يرضى نقلت عنه لمن يرضى، وكذلك إن اشتكت ضرره وهي بالبادية لم يلزمه نقلها للحاضرة إلا أن لا يكون حولها من البادية من يرضى وتكون الحاضرة أقرب. وقال في المتيطية: إن ضربها ضرباً خفيفاً لغير الأدب لا قيام لها حتى يتكرر ذلك من فعله مراراً أو يكون الضرب فاحشاً إذ الضرب الخفيف لا يكاد يسلم منه الأزواج فصار كالمدخول عليه. وعن ابن القاسم قد تستوجب الضرب الوجيع بالذنب ترتكبه، وذلك إذا كان الذنب معروفاً قال: وقد شج عبد الله بن عمر زوجه صفية فلا تكون الشهادة بالضرر أو بالضرب حتى يقول الشهود إنه ضربها أو أضر بها في غير ذنب تستوجبه ثم قال: وقد ضرب الزبير أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لكونها كانت تخرج بغير إذنه ضرباً وجيعاً فشكت بذلك إلى أبيها فقال لها: اصبري فإن الزبير رجل صالح، ولعله يكون زوجك في الآخرة فإنه بلغني أن الرجل الصالح إذا ابتكر امرأة تكون له زوجاً في الجنة اه باختصار. (ويثبت الإضرار) فعل وفاعل (بالشهود) يتعلق به (أو بسماع) معطوف على ما قبله يليه (شاع) فاعله ضمير يعود على السماع (في الوجود) يتعلق بشاع والجملة صفة لسماع، ومعناه أن ضرر أحد الزوجين للآخر يثبت بأحد أمرين إما بشهادة عدلين فأكثر بمعاينتهم إياه لمجاورتهم للزوجين أو لقرابتهم منهما ونحو ذلك، وإما بالسماع الفاشي المستفيض على ألسنة الجيران من النساء والخدم وغيرهما بأن فلاناً يضر بزوجة فلانة بضرب أو شتم في غير حق أو تجويع أو عدم كلام أو تحويل وجهه عنها في فراشه كما في المتيطية قال مالك: وليس عندنا في قلة الضرر وكثرته شيء معروف. تنبيهان: الأول: لا بد أن يضمن الشهود في الوجهين أنهم لا يعلمون أن المضر منهما رجع عن الإضرار بصاحبه وأقلع عنه وإلا لم تعمل كما في المعيار وغيره فإن ادعى الزوج أنها مكنته من نفسها بعد قيامها بالضرر وصدقته سقط حقها كانت جاهلة أو عالمة فإن ادعت الجهل لم يعذر قاله في المتيطية. قلت: وينزل منزلة التصديق ثبوت الخلوة بينهما برضاها بعد القيام لأن القول لمدعي الوطء فيها كما يظهر ذلك من كلامها وهو ظاهر. الثاني: لا يشترط ههنا في شهادة السماع أن ينصوا في وثيقته عن الثقات على المشهور قاله ابن رحال بخلاف غير الضرر فلا بد منه كما مر، وما ذكره هو الذي يفيده كلام المتيطية ونصها. ويجزي عند ابن القاسم عدلان على السماع الفاشي من لفيف الناس والجيران بذلك وتكثير الشهود أحب إليه هذا هو المشهور من المذهب، وبه العمل. وحكى حسين بن عاصم: إنه لا تجوز شهادة السماع إلا عن العدول إلا في الرضاع فيجوز أن يشهد العدلان عن لفيف القرابة والجيران من النساء وهو أحسن لأنه لا يحضره الرجال في الأغلب، ثم قال: ولا يجوز في السماع بالضرر شهادة النساء وحدهن لأن الطلاق من معاني الحدود فلا تجوز فيه شهادة النساء اه. وانظر ما تقدم في شهادة السماع، ومفهوم النظم أنه لا يثبت بغير هذين الأمرين ولو شرطت عليه في أصل العقد أو بعده أنها مصدقة في الضرر الذي تدعيه بغير يمين، وفي ذلك تفصيل تقدم في فصل فاسد النكاح. وحاصله، إن كان بعد العقد لزم شرطها اتفاقاً وإن كان في صلب العقد فقال سحنون: أخاف أن يفسخ النكاح قبل البناء ولا تصدق فيه بعد الدخول إلا ببينة ونحوه لابن دحون، وظاهر النظم أنه الراجح لأنه جعل ثبوته بين الأمرين فقط، ولابن عبد الغفور أنه يلزمه الشرط حيث جعله لها فيه وفي الرحيل والزيارة دون المغيب، والظاهر من وثائق ابن فتحون أن المغيب كالضرر انظر ابن سلمون في فصل الشروط في النكاح، ومفهوم قولهم بغير يمين أنه بيمين يعمل بشرطها قولاً واحداً فتأمله. (وإن تكن) شرط (قد خالعت) خبر تكن (وأثبتت) معطوف على ما قبله يليه (إضراره) مفعول بأثبتت وفاعله ضمير الزوجة (ففي اختلاع) يتعلق بقوله (رجعت) والجملة جواب الشرط دخلت عليه الفاء واختلاع مصدر بمعنى المفعول أي المخالع به، والمعنى أن الزوجة إذا خالعت زوجها على شيء دفعته له ثم أثبتت بعد ذلك إضراره بها ببينة القطع أو السماع فإنها ترجع بما خالعته به إن لم يكن عند الزوج مدفع فيما أثبتته من كونه اختلى بها طائعة بعد قيامها أو كونها مكنته من نفسها أو تجريحه البينة الشاهدة بضررها ونحو ذلك، والطلاق لازم على كل حال وإذا لم يجد الزوج مدفعاً واحتج بأن الزوجة قد أشهدت في رسم الخلع أنها فعلت ذلك طيبة النفس به فلا ينتفع بذلك لأن ثبوت الإكراه يسقط حجته كما أنه لا ينتفع بمجرد دعواه أنها مكنته من نفسها بعد القيام بالضرر، وقبل عقد الخلع وإنما عليها اليمين لرد دعواه. وظاهر النظم أن لها الرجوع وإن لم تسترع قبل عقد الخلع وهو كذلك إن قامت لها بينة لم تعلمها وقت الخلع اتفاقاً، وكذا إن علمت بها على الأصح لأن ضرره يحملها على الاعتراف بالطوع، وإذا استرعت فلا حجة للزوج عليها في إسقاطه في وثيقة الخلع (خ): ولا يضرها إسقاط البينة المسترعاة على الأصح. (وباليمين) يتعلق بمحذوف خبر عن قوله: (النص في المدونة) والباء بمعنى (مع) والتقدير والنص في المدونة رجوعها مع اليمين إن خلعها لم يكن إلا للإضرار فهي في الحقيقة يمين تهمة لأنها تتهم أن تكون دفعت ذلك عن طيب نفس أي لكراهيتها المقام معه لا للإضرار. قال ابن سلمون: وهذه اليمين ذكرها ابن فتحون في كتابه وهو على مذهب المدونة الخ. فظاهره التعليل أنها واجبة مع رجوعها بشهادة السماع أو القطع كما هو ظاهر النظم، وأما اليمين لتكميل النصاب لكون السماع لا يستقل بدون يمين لضعفه ولكون القطع لا يصح ههنا فيستظهر بيمين على باطن الأمر لأنهم يقولون ولا يعلمون أنه رجع الخ. فمستفادة مما مر في فصل شهادة السماع ومن قوله فيما مر: وغالب الظن به الشهادة. فتبين أنه لا بد من يمينين مع كل من الشهادتين يمين لتكميل النصاب فيما قامت بهما قبل الخلع أو بعده، وقد تقدمت، ويمين لدفع التهمة وهي المقصودة ههنا، ولا تكون إلا عند إرادة الرجوع وهي محل الخلاف المشار له بقوله: (وقال قوم) فعل وفاعل (ما) نافية (اليمين) مبتدأ (بينه) خبره وهذا الخلاف جار على الخلاف في لحوق يمين التهمة وعدم لحوقها هذا هو الظاهر والله أعلم. تنبيهان: الأول: قال في المتيطية في باب الشروط: ولو أن الخلع انعقد بينهما على حميل أخذه الزوج بما أعطته الزوجة ثم انفسخ ذلك عنها لثبوت الضرر بها فقال ابن العطار وأبو عمران: يرجع الزوج على الحميل لأن الإكراه إنما ثبت للزوجة لا للحميل ولا رجوع له على الزوجة بشيء. وقال ابن الفخار وغيره: لا رجوع له على الحميل لأنه بثبوت الضرر تبين أنه تحمل للزوج بما لا يحل له أخذه فلو ألزمناه ذلك لأبحنا أكل المال بالباطل وذلك مبني على الخلاف في الحمالة بالبيع الفاسد، وجواب ابن العطار جار على مذهب أشهب لأنه أدخل الزوج في زوال عصمته لأنه يقول: لولا أنت لكنت أتوب عن ضررها وآخذ بخاطرها. وجواب ابن الفخار جار على مذهب ابن القاسم، وسواء على مذهبه علم الحميل بالضرر أو لم يعلم لأنه إن لم يعلم يقول: إنما تحملت في موضع يجب لي به الرجوع عليها، وإن علم يقول: إنما تحملت لأني علمت أن ذلك باطل لا يجب للزوج به شيء وبما لابن الفخار استمر العمل والقضاء اه من النهاية باختصار، وهو ظاهر بل صريح في أن الحمالة هنا على أنه إن أدى رجع به على المضمون عنه، وأما إن تحمل بذلك على معنى أنه إن رجعت الزوجة لثبوت ضرر ونحوه فهو الذي يغرم ذلك من ماله الخاص به فلا إشكال في لزوم ذلك كما مر عند قول الناظم ويسقط الضمان في فساد الخ. وانظر ابن سلمون في فصل نكاح المتعة قبل إنكاح الأب ابنته الثيب، وانظر ما تقدم عن البرزلي في باب الصلح، وعبارة ابن سلمون في الطلاق ما نصه، فإن عقد الخلع على اليتيمة أو غيرها ولي أو أجنبي فلها الرجوع على زوجها والطلاق ماض وهل يرجع الزوج على الذي عقد معه الخلع إذا لم يضمن ذلك؟ أقوال. الأول: أنه يرجع عليه وإن لم يضمن له لأنه هو الذي أدخله في الطلاق وهو قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة وقول أصبغ في الواضحة والعتبية. الثاني: أنه لا رجوع له عليه إلا أن يلتزم الضمان وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في إرخاء الستور، وقول ابن حبيب أيضاً. والثالث: أنه إن كان أباً أو ابناً ومن له قرابة للزوجة فهو ضامن وإلاَّ فلا، وهو قول ابن دينار وإن عقدته المرأة وضمن للزوج وليها ما يلحقه من درك في الخلع المذكور ثم ظهر ما يسقط التزامها من ثبوت ضرر أو عدم أو غير ذلك، ففي ذلك قولان: أحدهما أن الضامن يغرم ما التزمه للزوج، والثاني أنه لا شيء عليه وكذلك البيع الفاسد اه. وقال في المتيطية في باب الخلع ما نصه: فإن أخذ الزوج على المرأة ضامناً فيما التزمت له من نفقة الأولاد أو أسقطته عنه، ثم أعدمت أو ثبت أنها في ولايته أخذ الزوج بإجراء النفقة على بنيه وطالب الحميل بغرم ما يرجع به عليه وهذا في العدم، وأما إن ثبت أنها في ولاية فعن ابن الماجشون أنه إن لم يعلم الزوج بسفهها فحقه على الحميل وإن لم يعلم بذلك الحميل لأنه أي الحميل دخل فيما لو شاء كشفه لنفسه، وإن كان الزوج عالماً بذلك لم يكن له سبيل إلى الحميل ولا إليها علم الحميل بذلك أم لا. لأن الزوج قصد الدخول فيما لا يصح له. وقال أصبغ في كتاب الكفالة من العتبية: يلزم الحميل ما تحمله عنها لزوجها قال: وتعقد في هذا الفصل وضمن فلان للزوج فلان غرم ما لحقه من درك فيما أسقطته فلانة عنه أو التزمت له في هذا الكتاب ضماناً لازماً لماله وذمته ألزم نفسه ذلك وقضى عليها به بعد معرفته بقدره وعلى ما ذكر من الالتزام والإسقاط والضمان طلق الزوج المذكور زوجه المذكورة على سنة الخلع وحكمه شهد الخ. انتهى بلفظ النهاية. فهذه الوثيقة دالة على أن له الرجوع على الحميل مطلقاً حيث رجعت الزوجة عليه، وما تقدم عنها إنما هو في الحمالة لا في الحمل كما مرّ، فهما مسألتان كما تقدم، وسواء نص في الوثيقة على أن الطلاق وقع على الإلزام والإسقاط والضمان كما قال أم لا. لأن ذلك هو مقصود الزوج والنص عليه إنما هو للاحتياط. واقتصر ابن يونس وابن فتحون على قول أصبغ وكذا الونشريسي في طرر الفشتالي، وقد استبعد ابن رشد قول ابن الماجشون كما مرّ في الضمان، وذلك يدل على أن الراجح قول أصبغ كما تقدم، وهذه المسألة يكثر النزاع فيها فلذلك أطلنا فيها ههنا وفيما تقدم والله أعلم. (كذا) خبر لمبتدأ مضمر أي الحكم كذا، والظاهر أنه حال من ضمير اعتمد آخر البيت (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (عدل) فاعل بفعل محذوف يفسره شهد (بالإضرار) متعلق بقوله (شهد فالرد) مبتدأ (للخلع) يتعلق به وهو بمعنى المخالع به (مع الحلف) حال (اعتمد) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ والجملة جواب الشرط وهي مؤكدة لما أفاده التشبيه على الإعراب الأول، وقوله: شهد أي بالقطع إذ السماع لا يثبت بأقل من عدلين، وقوله: مع الحلف أي لتكميل النصاب وللاستظهار ولدفع التهمة فتحلف ثلاثة أيمان أن الضرر حق وأنه ما رجع عنه إلى وقوع الخلع وأنها ما دفعت المال إلا للإضرار وهذا هو الذي يوجب ما مر ولم أقف على نظير لهذه الأيمان الثلاث، ثم إن المرأتين بمنزلة العدل في ذلك لأن النزاع في المال، وأما الطلاق فماض على كل حال كما قال: (لأن ذاك راجع للمال، وفرقة تمضي بكل حال). (خ): ورد المال بشهادة سماع على الضرر ويمينها مع شاهد أو امرأتين ولا يضرها إسقاط البينات المسترعاة على الأصح وبكونها بائنة لا رجعية أو لكونه يفسخ بلا طلاق أو لعيب خيار به. قال البرزلي: ويجوز الاسترعاء في الضرر ولا يحتاج إليه إلا في إسقاط اليمين خاصة اه. (وحيثما) اسم شرط (الزوجة) فاعل بفعل محذوف يفسره (تثبت الضرر) مفعول به ( ولم يكن) جازم ومجزوم (لها) خبرها مقدم (به) يتعلق بالاستقرار في الخبر وضميره للضرر على حذف مضاف أي ينفيه (شرط) اسمها مؤخر (صدر) صفة والجملة من لم يكن الخ حال. (قيل) مبني للمجهول ونائبه الجملة المحكية بعدها التي هي قوله: (لها الطلاق) مبتدأ وخبر (كالملتزم) بفتح الزاي حال من الطلاق ومعموله محذوف أي حال كون الطلاق كالطلاق الملتزم أي المشترط في عقد النكاح والجملة من قيل ومحكيه جواب الشرط. (وقيل) معطوف على قيل الأول (بعد) يتعلق بمحذوف دل عليه ما قبله أي وقيل لها الطلاق بعد (رفعه) مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله وضميره للزوج ( للحكم) بفتح الكاف لغة في الحاكم يتعلق بما قبله. (ويزجر) بالنصب عطف على المصدر المذكور عملاً بقول الخلاصة: وإن على اسم خالص فعل عطف *** تنصبه أن ثابتاً أو منحذف ومعمول يزجر محذوف أي يزجره (القاضي) فاعل (بما) يتعلق بيزجر (يشاؤه) صلة ما (وبالطلاق) خبر مقدم (إن يعد) شرط حذف جوابه للدلالة عليه (قضاؤه) مبتدأ مؤخر ومعنى الأبيات الثلاث أن الزوجة التي في العصمة إذا أثبتت ضرر زوجها بها بشيء من الوجوه المتقدمة والحال أنها لم يكن لها بالضرر شرط في عقد النكاح من أنه إن أضرَّ بها فأمرها بيدها فقيل لها إن تطلق نفسها بعد ثبوت الضرر عند الحاكم من غير أن تستأذنه في إيقاع الطلاق المذكور أي لا يتوقف تطليقها نفسها على إذنه لها فيه، وإن كان ثبوت الضرر لا يكون إلا عنده كما أن الطلاق المشترط في عقد النكاح أي المعلق على وجود ضررها لها أن توقعه أيضاً بعد ثبوته بغير إذنه وظاهره اتفاقاً. وقيل: حيث لم يكن لها شرط به لها أن توقع الطلاق أيضاً، لكن بعد رفعها إياه للحاكم وبعد أن يزجره القاضي بما يقتضيه اجتهاده من ضرب أو سجن أو توبيخ ونحو ذلك. ولم يرجع عن إضرارها ولا تطلق نفسها قبل الرفع والزجر، وفهم من قوله: قضاؤه أن الطلاق بيد الحاكم فهو الذي يتولى إيقاعه إن طلبته الزوجة، وامتنع منه الزوج وإن شاء الحاكم أمرها أن توقعه فعلى هذا القول لا بد أن يوقعه الحاكم أو يأمرها به فتوقعه، وإذا أمرها به فهي نائبة عنه في الحقيقة كما أنه هو نائب عن الزوج شرعاً حيث امتنع منه قال في عيوب الزوجين من المتيطية: فإذا ثبت ذلك العيب بإقراره أو الكشف عنه طلقها عليه الإمام ولا يفوض ذلك إليها هذا هو المشهور من المذهب. وروى أبو زيد عن ابن القاسم أنها توقع الطلاق دون أمر الإمام قال بعض الموثقين: والأول أصوب اه بلفظ النهاية. وهذا الخلاف الذي في العيب هو الخلاف الذي في الطلاق بالضرر أو بالإيلاء أو بالفقد أو بالعتق تحت العبد أو عسر النفقة ونحو ذلك كما في (تت) وغيره من شراح المتن، ولذا قال ابن عرفة في عيوب الزوجين أثر ما مرّ عن المتيطي ما نصه، ابن سهل: في كون الطلاق بعدم النفقة أو غيره إن أباه الزوج للحاكم أو للمرأة قولا أبي القاسم بن سراج وابن عتاب محتجاً برواية أبي زيد عن ابن القاسم من اعترض فأجل سنة فلما تمت قالت: لا تطلقوني أنا أتركه لأجل آخر فلها ذلك ثم تطلق نفسها متى شاءت بغير سلطان الخ. وقال الجزيري بعد وثيقة الاسترعاء بالضرر ما نصه: فإذا ثبت هذا العقد وجب للمرأة الأخذ بشرطها بعد الإعذار للزوج، واختلف إن لم يكن لها شرط فقيل: لها أن تطلق نفسها كالتي لها شرط وقيل: ليس لها ذلك، وإنما ترفع أمرها إلى السلطان فيزجره ولا يطلق عليه حتى ترفع مرة أخرى فإن تكرر ضرره طلق عليه اه. وبالجملة فالقول الأول في كلام الناظم هو ما رواه أبو زيد عن ابن القاسم واحتج به ابن عتاب في بعض فتاويه، وصوبه ابن مالك ورجحه ابن سهل فقف عليه فيه، وعليه عول الناظم في النفقات حيث قال: وباختيارها يقع الخ. ووقعت نازلة من هذا المعنى في حدود الأربعين بعد المائتين والألف في امرأة غاب زوجها وأثبتت عدم النفقة فأجلها القاضي شهراً فلما تم الشهر حلفت بعدلين كما يجب وطلقت نفسها بغير أمره واعتدت وتزوجت، وبعد ذلك اطلع الإمام على فعلها فأراد فسخ النكاح محتجاً بما للمشهور ووافقه كل من شاور من فقهاء الوقت وخالفتهم في ذلك وقلت لهم: لا سبيل إلى ذلك لأن النكاح المختلف فيه يفسخ بطلاق احتياطاً للفروج ومراعاة لمن يقول بصحته، فكذلك الطلاق المختلف فيه يراعى لزومه للاحتياط، ولما مر عن أبي زيد وابن عتاب. ألا ترى أن ابن عرفة جعل كونه للمرأة مقابلاً ولم يقيده بكونه بعد إذنه لها لأن من فعل فعلاً لو رفع إلى الإمام لأسنده إليه على القول به المشار له بقول (خ) وإلاَّ فهل يطلق الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم الخ. ففعله ماض ولما في السماع من أن المرأة إذا تزوجته على أنه حر فإذا هو عبد فلها أن تختار قبل أن ترفع إلى السلطان اه. ابن رشد: قوله لامرأته أن تختار قبل الرفع يريد أنها إن فعلت جاز ذلك إن أقر الزوج بغروره فإن نازعها فليس لها أن تختار إلا بحكم اه. نقله ابن عرفة. فهذا صريح في أن ما للمشهور ليس على سبيل الشرطية في صحة الطلاق، بل إنما يطلب ذلك ابتداء. وطلاقها نفسها قبل الرفع معمول به إن وقع، بل الظاهر أنه معمول به ولو لم يقر بالضرر أو بالغرور ونحو ذلك إذ غايته أنه إذا لم يقر وادعى البحث في شهود الضرر والعيب ونحوهما بجرحة أو غيرها مكن فإن أثبت ذلك وعجزت المرأة عن الطعن فيه فالطلاق مردود لأنه لم يقع في محله الشرعي وإن عجز عن إثبات ذلك فالطلاق ماض فتوقف القاضي بعد ذلك أياماً ثم وقف على كلام القباب الذي نقله الشارح و(م) ههنا وأن ابن رحال استظهر لزوم الطلاق، وكذا قال سيدي محمد بن عبد الصادق في شرحه على المختصر: وأن المرأة إذا طلقت نفسها من غير رفع للحاكم فلا يبطل طلاقها قال: كمن قتل قاتل وليه قبل الرفع اه. فأمرها القاضي حينئذ بالبقاء تحت زوجها الثاني الذي كان عزلها منه والله أعلم. تنبيهات: الأول: إذا كان للرجل زوجتان فأكثر وطلبت إحداهما الانفراد بدار لأنها تتضرر بالاجتماع مع ضراتها، وزعم أنه لا يثق بها فالقول قوله ولا تجاب لما طلبت لفساد الزمان، وحينئذ فإذا سكن بين قوم صالحين فللزوج أن ينتقل بضراتها معها ولا مقال لها. نص على ذلك غير واحد من شراح المتن. وقال بعض من حشاه هو الذي عليه العمل قال: ولا فرق بين البوادي والحواضر، ويكفيه أن يخص كل واحدة ببيتها اه. وبهذا كنت أحكم حين ولايتي القضاء بفاس صانها الله من كل باس، وكنت أقول للزوجة الطالبة للانفراد إن أضرت بك ضرتك فارفعيها للحاكم اه. الثاني: علم مما مر أنها لا تطلق نفسها على القول به ولا يطلقها الحاكم أيضاً على مقابله إلا بعد الإعذار للزوج فيما ثبت عليه وعجزه عن الطعن فيه، فإن طلقت نفسها أو طلق الحاكم قبل الإعذار له فقد قال ابن عبد الصادق في شرحه المذكور ما نصه: وأما الزوجة إذا أثبتت الضرر وطلقت نفسها فإن بحث زوجها بعد طلاقها في الشهود وجرحهم مثلاً فطلاقها مردود اه. وكذا يقال في تطليق الحاكم عليه قبل الإعذار والله أعلم. كما استظهرناه آنفاً ونحو هذا في اختصار المتيطية فيما إذا كان لها به شرط قال فيه: وإذا طلقت المرأة نفسها دون إذن الحاكم ثم قدم الزوج لزمه ما فعلته إن كان مقراً بالشرط والمغيب، فإن أنكره وثبت الشرط المذكور بشهود الطلاق أو غيرهم لزمه أيضاً فإن جرح البينة وقد تزوجت ردت إليه. الثالث: لا بد من تكرار الضرر حيث كان أمراً خفيفاً فإن كان ضرباً فاحشاً كان لها التطليق به ولو لم يتكرر كما مر أول الفصل عن المتيطية وقول (خ) ولها التطليق بالضرر ولو لم تشهد البينة بتكرره لا يعول عليه، بل لا بد من التكرار حيث كان خفيفاً كما مر. ولذا قال بعضهم: هو على حذف الصفة أي: ولها التطليق بالضرر البين أي الفاحش، والقول الثاني في النظم صريح في اشتراط التكرير إلا أن ظاهره أنه لا بد من الزجر والتكرار ولو كان بيناً فاحشاً وليس كذلك كما في النقل. قال ابن عبد الصادق المذكور معترضاً على ظاهر لفظ (خ) ما نصه: والعجب كيف تطلق المرأة نفسها بالمرة الواحدة من تحويل وجهه عنها وقطع كلامه ومشاتمته إلى غير ذلك مما عدوه من الضرر بالمرة الواحدة إذ لا يخلو عنه الأزواج مع أن مسائل مبنية على ثبوت التكرار كالسكنى بين قوم صالحين وبعث الحكمين واختبارهما أمور الزوجين المرة بعد المرة قال: وقد نزلت فاحتج بعض المفتين بظاهر (خ) وخالفه غيره فعظم الأمر حتى وصل إلى أمير الوقت فحكم بأنه لا بد من التكرار. الرابع: في البرزلي: أن ابن عرفة سئل عن الهاربة عن زوجها من جبل وسلات على نحو من البريدين من القيروان وتذكر أن زوجها يضربها وتريد خصامه وتخشى على نفسها إن عادت إليه بعد الفرار أن يقتلها، فيكتب الحاكم لمن يزعج الزوج فتارة يأتي جواب المبعوث إليه بالإزعاج للخصم بخط غير معروف ولفظ غير محصل، وتارة لا يصل الجواب، وتارة يذكر أن الزوج تعصب أو فرّ ويتعذر الجواب بالكلية فيطول أمر المرأة وتريد أن تقطع على زوجها بعدم النفقة وكيف إن فرت غير ذات الزوج إلى المدينة المذكورة من الجبل المذكور وتريد التزوج وهي من ذوات الأقدار ولها ولي بالجبل المذكور فهل للحاكم أن يزوجها؟ فأجاب: حاصل أمر المرأة أنها بمحل لا تناله الأحكام الشرعية غالباً، فهو حينئذ كغائب عنها لم يترك لها نفقة أو حاضر قادر على الإنفاق وعجز عن أخذه منه كرهاً وأيّاً ما كان فللزوجة القيام بموجب التطليق للضرر وفرارها منه بعد تزويجه إياها بذلك المحل لا يبطل حقها لوجهين. الأول حرمة المقام بذلك المحل. الثاني: أن رضاها به أولاً لا يسقط قيامها به ثانياً كرضاها بإثرة عليها أولاً لا يمنع قيامها ثانياً ونحو ذلك، وأما مسألة الولي فلا بد من الكتب والإعذار إليه والتلوم إن أمكن دون عسر وضرر طول وإلا سقط وزوّجها الحاكم اه باختصار. ثم ذكر عن ابن رشد نحوه قائلاً: الذي استقريته من أحوال قرى القيروان حين كنت مقيماً بها أنها لا تنالها الأحكام، فأرى أن لا تمكن الهاربة من زوجها إلى الخروج إلى القرى وإلى الجبال التي حولها نحو جبل وسلات وجبل ضراوة وجبل السرج، وقد وقع شيء من هذا وهربت امرأة فمكنها القاضي من زوجها وردها لقريتها فقتلها في الطريق اه. قلت: ومثله في الجبال التي حول فاس ونواحيها في وقتنا لتعذر الأحكام فيها فيجري حكمها على ما تقدم في جبل القيران وقراها كما شاهدناه في وقتنا هذا والله أعلم. الخامس: قال في المتيطية: فإن ضربها وزعم أن ذلك على وجه التأديب لذنب أتته فإن كان مثله ممن يؤدب ويعتني بالأدب صدق، وإن كان ليس من أهل الأدب ولا يعتني به فعليه البينة أنه إنما ضربها لذنب تستوجب به الضرب والقول قولها حينئذ أنه ظالم لها قال: فإن أنكر ضربها جملة وقامت لها بينة به كان لها الخيار فإن قال بعد ذلك كان لذنب أتته لم يقبل قوله لإنكاره الأول قال: وفي العتبية عن مالك فيمن حلف بطلاق زوجته ليجلدنها خمسين سوطاً فإنه يمنع من ضربها وتطلق عليه، ونحوه حكى ابن حبيب في الواضحة أن من حلف بطلاق امرأته ليجلدنها أكثر من عشرة أسواط مثل الثلاثين أن السلطان يطلقها عليه إذا كان ذلك لغير شيء تستوجبه فإن لم يعلم بذلك حتى جلدها برّ في يمينه وعوقب بالزجر والسجن ولم تطلق عليه إلا أن يكون بها من الضرب آثار قبيحة لا يليق بمثلها فتطلق عليه للضرر إذا تفاحش ذلك وطلبت الفراق اه. قلت: ما لم تذنب ما تستوجب به ذلك فقد نص ابن القاسم على ما رواه حسين بن عاصم أن المرأة قد تستوجب الضرب الوجيع بالذنب ترتكبه إذا كان الذنب معروفاً. وقد تقدم ذلك أول الفصل قال: ولو حلف بطلاقها ليجلدنها عشرة أسواط ونحوها خلى بينه وبينها وقد أساء. ولا تطلق عليه يريد ويصدق في أنها صنعت ما تستوجب به ذلك لا أنه يكون له ذلك دون سبب، وكذلك من حلف بحرية عبده ليضربنه ضرباً يسيراً دون شيء أذنبه لم يمكن منه. وقال ابن أبي زيد: يمكن من ذلك وهو بعيد ولا يصح أن يقال ذلك في الحرة قال: ومن هذا المعنى لو حلف بطلاق امرأته الأخرى أو بحرية عبده ليجلدن هذه خمسين سوطاً فإن السلطان يحنثه إلا أن يثبت عليها أنها فعلت ما تستوجب به ذلك ولو كانت يمينه على ذلك بالله أو بصيام أو بمشي وشبهه مما لا يقضي به فأبت المرأة أن تذهب معه مخافة أن يضربها ليسقط عن نفسه ما حلف عليه، فلها ذلك من أجل أنه لا يؤمن عليها ويطلقها الحاكم طلقة بائنة اه. وسئل سحنون عن المرأة تشتكي أن زوجها يضربها وبها أثار ضرب ولا بينة على معاينة ضربه قال: يسئل عنها جيرانها فإن قالوا شأنه لا ينزع عن ظلمها أدبه وحبسه فإن سمع الجيران الصياح منها ولم يحضروا ضربه إياها أدبه أيضاً لأن هذه الآثار لو كانت من غيره لشكا هو ذلك وأنكره اه. فعلم منه أن العشرة أسواط فما دونها من الخفيف الذي لا بد فيه من التكرار حيث ادعى هو ما يوجب ذلك، وهذا ما لم تحصل منه آثار قبيحة كما مرّ. السادس: قول الناظم تثبت الضرر أي في بدنها كما مر، وأما إن أضر بها في مالها ولم يكن لها عليه فيه شرط نهي عن ذلك وأغرم ما أخذه منه فإن عاد بعد النهي عاقبه السلطان ولم يطلق عليه، وإن تكرر إضراره اه. وقد تحصل أنه إن أضر بها في بدنها فلها التطليق من غير رفع للحاكم إذا كان لها به شرط وثبت الضرر عند الحاكم ولم يجد الزوج فيه مطعناً وإن لم يكن لها به شرط فقولان. أصحهما لا بد من الرفع فإن طلقت نفسها بدون رفع مضى طلاقها كما مر، وحيث كان الضرر في بدنها فالكلام لها وإن سفيهة مولى عليها ولا كلام لوليها إلا بتوكيل منها وإن كان الضرر في مالها فالكلام له لا لها والله أعلم. السابع: إذا اشترطت عليه الزوجة أن لا يغيب عنها نصف سنة مثلاً وإن فعل فأمرها بيدها فغزا العدو في عسكر مأمون يمكنه الرجوع منه قبل انقضاء مدة المغيب فهزم الجيش وأسر الزوج حتى مضى الأجل المعلق عليه فلا خيار لها لأنه معذور، وكذا إن مرض أو سجن سجناً لا يقدر على دفع موجبه أو منعته فتنة أو فساد طريق حتى مضى الأجل بخلاف ما لو غزا في سرية فأسر أو سافر في بحر فتعذرت الرياح فينبغي أن لا يعذر لأنه غر بنفسه. انظر المتيطية وابن عرفة في مبحث الشروط.
|